محام معروف يقترح عدم توقيف من لم تثبت ادانته ...
كتب المحامي منيب هائل اليوسفي : ((( براءة ... ولكن ؟)))
كتب إليّ يقول : تم توقيفي ظلما بتهمة ارتكابي جرم سرقة وبقيت موقوفاً زهاء سنة كاملة ليصدر القرار في نهاية المحاكمة بالبراءة ! خرجت من السجن لأجد أنني فقدت عملي وزوجتي التي طالبت بالتفريق ، السؤال هل هذا عدل..؟ وهل استطيع الرجوع على من تسبب بتوقيفي بالتعويض..؟
حين أجاز المشرع التوقيف ( توقيف المواطن) بمعنى حين أجاز حجز حريته إنما لضرورات التحقيق ، فالمشتبه به طليقاً يؤثر في سلامة التحقيق ، فقد يحاول الاتصال مع الشهود لتغيير إفادتهم أو أن يحاول طمس معالم الجريمة ويزيل الدليل أو ماشابه ذلك ، لهذا فقد أباح المشرع للمحقق حجز حرّية المشتبه به وفي حدود ما تفرضه الضرورة دونما توسع أو شطط ، ولكن هل هذا الحق هو مطلق وتقديره شخصي..؟ بمعنى هل يستطيع المحقق القضائي توقيف من يشاء ويرغب بزعم التحقيق..؟
المادتان 117 و118 من قانون أصول المحاكمات أجازت توقيف المشتبه به في جرائم الجنحة المشهودة على ألا تزيد مدة التوقيف عن خمسة أيام ، أما في جرائم الجنايات وهي الجرائم الثقيلة فالتوقيف يستمر وقد يمتد إلى نهاية المحاكمة والأصح إلى نهاية تنفيذ العقوبة .
ولكن السؤال ماهو حال المواطن الذي يمضي فترة طويلة أو قصيرة رهن التحقيق ثم يتضح أنه بريء كما هو الحال مع صاحب الرسالة..؟
المعروف أن التوقيف عدا عن أنه حجز للحرّية فإنه يخلق من النتائج الاجتماعية والمادية الشيء الكثير.
ربما فقد الموقوف بعد إطلاق سراحه عمله ..! وربما فقد زوجته أيضاً ، وربما تشتت أولاده ..الاحتمالات كثيرة .. وكلها مؤلمة ومؤثرة تغير في حياة الفرد وحاضره ومستقبله .
كل منا يعرف تماماً وقفة شرطي على باب داره ، كم تخلق من التساؤلات والإشاعات عند الجيران ، فكيف إذا دخل السجن وهل سيصدق الناس أنه كان بريئاً من التهمة المعزوة إليه..؟ هنا يقفز إلى الذهن هل لهذا البريء حقوق على الجهة التي أوقفته والحقت به أفدح الأضرار..؟ بمعنى هل يستطيع البريء الرجوع على الدولة يطالبها بالتعويض..؟
السؤال في ظاهره بسيط ، ولكن الجواب في غاية الصعوبة والتعقيد ، لأننا لو أجزنا للبريء الذي كان موقوفاً المطالبة بالتعويض عما لحقه من أذى من جراء توقيفه وحجز حريته ، عندها قاضي التحقيق سيتردد كثيراً قبل أن يوقع على مذكرة التوقيف ، وربما لن يوقف أحدا ً ، ولو كان ذلك على حساب كشف الجريمة وسلامة التحقيق مادام يعلم أن هناك احتمالا أن يرجع عليه الموقوف يطالبه بالتعويض.
القانون اعتبر مذكرة التوقيف الصادرة عن القضاء مشروعة بحد ذاتها ، وكل ما ينتج عنها من أصدرها غير مسؤول عنه ، حتى ولو ظهر أن الموقوف كان بريئاً ، بتقديري هذا فيه نوع من الإجحاف ، والقانون يجب أن يعدل ويوجد فرصة للبريء المتضرر أن يرجع على من تسبب له بهذا التوقيف إذا أوجد المشرع مثل هذه الفرصة للبريء المتضرر من التوقيف ، عندها لن يتوسع المحقق في توقيف من هو موقوف وعلى ذمة التحقيق ، بل سيتريث ويحسب كثيرا قبل أن يوقف أحداً ، لأن ما من شيء أغلى وأثمن من حرّية المواطن وكرامته ، هكذا جاء في تعميم السيد وزير العدل وهكذا نص الدستور ولاسيما إذا كان بريئاً .