((( مرة اخرى ....الكهرباء هي السبب !! )))
يقول منذ عشرة أيام ، اصيب ابن جارنا الصغير وعمره ست سنوات بجرح بليغ في معصمه أثر كسر زجاج النافذة ، حمله أبوه بين ذراعيه وركض به يسعفه ونزل به في المصعد من الطابق الثامن و فجأة انقطع التيار الكهربائي ، حاول والد الطفل أن يفتح الباب ولكن دون جدوى ، فبدأ يصرخ ويستغيث وطفله بين يديه ينزف ودون مجيب لآن معظم سكان البناء غادروه إلى أعمالهم .
ولما جاء من يساعده ويفتح له باب المصعد كان الطفل قد نزف كثيراً ولما وصل المستشفى فارق الحياة ، يضيف صاحب الرسالة انا أحمل إجازة في الحقوق ولكن لست محامياً وأنا أعلم أن لكل نتيجة لها سبب ، والمتسبب ضامن لهذه النتيجة ، فلا بد من أن يكون هناك مسؤولا عن وفاة هذا الطفل ومأساة هذا الاب ، فاذا يفعل ؟ هل يعتبر الحادث قضاء وقدر وأن ما أصاب الطفل والأب والأسرة المفجوعة إنما هو قسمة ونصيب ؟ وهل تنصح بإقامة الدعوى ؟ وعلى من ..؟
أقول ، إن أول ماتمنيته هو أن تكون هذه الرسالة صادرة من حساب واسم حقيقي وليس وهمي ، ومع ذلك أجيب :
كان الله في عون ذلك الاب المفجوع ، إذ من الصعب جدا أن يتخيل أي منا تلك اللحظات الرهيبة ، الأب وابنه الصغير النازف من معصمه محبوسان في غرفة المصعد يستغيثان ولا من مجيب ، لا شك في أن مال الدنيا كله لا يعوض الأب المفجوع ولايستطيع أن يمحو من ذهنه تلك اللحظات الرهيبة ، وسيبقى يذكر بحرقة أنه لولا انقطاع الكهرباء عن المصعد لا ستطاع أن يصل بابنه إلى أقرب مشفى وينقذه من النزيف .
طبعا هناك مسؤول عن هذه النتيجة المؤسفة المحزنة ، والمسؤول هنا الجهة التي قطعت التيار الكهربائي عن البناء ، سواء كان هذا القطع لضرورات الصيانة أم لخطأ في التمديدات أم لضرورة التقنين دون الاعلام بذلك ، المهم أن التيار الكهربائي انقطع ، أما بفعل فاعل وإما بفعل مهمل ، يبقى هناك نقطة هامة جداً وهو أن التيار الكهربائي الذي انقطع عن المصعد قد يكون بسبب تمديدات المصعد نفسه ، وفي هذه الحالة تصبح الشركة المتعاقدة هي المسؤولة عن هذه النتيجة ، الخلاصة إن حصر المسؤولية يرجع إلى الخبرة الفنية ومن هو المسؤول عن ذلك ، أقول تصبح الشركة المتعاقدة هي المسؤولة ولا سيما إذا كانت مرتبطة بعقد لصيانة المصعد مع شاغلي البناء .
نرجع إلى القول ، ماذا عليه أن يفعل ..؟ ليس أمامه سوى أن يقيم الدعوى على الجهة المتسببة بقطع التيار الكهربائي مهما كانت هذه الجهة ، و لا تملك في مواجهته المدعى عليها أي عذر يعفيها من المسؤولية سواء كان انقطاع التيار بسبب الصيانة أم بسبب التلف أو بأي سبب أخر ، والمسؤولية هنا هي مسؤولية مزدوجة تعاقدية وتقصيرية ، والدعوى مدنية تنصب على المطالبة بالتعويض عما أصاب المتضرر من أذى ، قد تكون هناك أسباب جدية حملت مؤسسة الكهرباء على قطع التيار على سبيل المثال النقص في القدرة الكهربائية وعدم الكفاية في التوزيع ، بتصوري الشخصي تبقى ايضاً مسؤولة ، على الأقل من ناحية عدم الإعلام عن مواعيد قطع التيار ، ومن ثم عدم الالتزام بدقة قطع التيار.
مثلا لو أعلنت أنها ستتبع موعد للتقنين الكهرباء يبدأ من يوم كذا من الساعة كذا إلى كذا وتتقيد بدقة بتلك المواعيد ، عندئذ لا تثريب ولا مسؤولية ، لان شاغلين البناء والذين يستخدمون المصاعد يعرفون الساعات التي يتوجب عليهم عدم استعمال المصعد ولا يتعرضون إلا مثل ما تعرض له والد الطفل المسكين ، لان المشكلة ليست في قطع التيار ، فكما هو معلوم البلد كلها تعاني من انقطاع في التيار الكهربائي ، لكن المشكلة في عدم معرفة مواعيد انقطاعه ، فإذا عرف المواطن مواعيد انقطاعه يتدبر امره بطريقة أو بأخرى ، ليست مشكلة أبدا ، أما بالنسبة للأبنية ذات المصاعد ، فيمكن استدراك التيار بوضع بطارية أو ألواح شمسية تغذي المصعد بالكهرباء في حال انقطاع التيار العام ، ولا اعتقد أن ثمن الالواح غالية لو أخذنا بالحسبان عدد الشاغلين في الأبنية الضخمة الشاهقة ، لكن المشكلة هي الرغبة في التعاون والعمل الجماعي ، إذ قد يطلع علينا أحدهم بأن ما يصيبه من سعر تلك الالواح الشمسية باهظ ، ولكن بتقديري أن حالة متل تلك التي مرّ بها والد ذلك الطفل النازف يتضاءل كل ثمن وتتلاشى كل تضحية ، قد لا تصل الضرورة إلى حد اسعاف أحدهم ، ولكن يكفي أن يحبس في غرفة المصعد لساعات أو لفترة زمنية معينة حتى يشعر بضرورة المشاركة مع سكان البناء ولا سيما إذا كان مرتبطاً بموعد عمل ، أو كان على موعد سفر أو أي شيء أخر ، يعني إحصاء الحالات لا تنتهي ، وتزيد من أهمية هذا الموضوع أن يتصور ذلك المحجم عن المشاركة فيما لو كانت زوجته أو أبنته محبوسة في غرفة المصعد مع أغراب ، كم سيقول لنفسه ياليتني ساهمت بشراء ألواح شمسية تغذي المصعد .
المهم من هذه الاستفاضة أن أهز مشاعر سكان الأبنية ذات الطوابق العالية الذين يرفضون مبدأ التعاون فيما بينهم ، أو يتراخون في صيانة مصاعدهم ، والقانون أوجد حلاً هو في تشكيل لجنة ينتخبها معظم سكان البناء ، ولها سلطة تنفيذية ولها حق مخاصمة الممتنع عن الدفع قضائيا ، كما لها حق التحصيل منه جبراً ، كما أن لهذه اللجنة بالإضافة إلى إشرافها على شؤون خدمات البناء أن تبرم عقد تأمين مع مؤسسة التأمين يشمل كل الحوادث المؤسفة التي يمكن أن تقع في البناء ويستفيد منه كل السكان .
أعود إلى صاحب السؤال ، هناك مسؤولية على مؤسسة الكهرباء بأنها استهترت بتعاملها مع مشتركيها ولم تعلمهم مسبقاً عن مواعيد انقطاع التيار ويجب عليها أن تكون دقيقة بتلك المواعيد ، وكذلك المتضرر، كما هو الحال مع والد الطفل النازف ، يستطيع الرجوع عليها بإقامة الدعوى المدنية بمعرفة أحد الزملاء المحامين ويطالبها بالتعويض
من صفحة الأستاذ منيب اليوسفي