“الحكاية” في الدراما الشامية والمُعاصرة.. زعامات وتشويق
قلنا سابقاً، “إنّ آخر ما نبحث عنه، تاريخٌ بأمزجةٍ قَصَّت منه وألصقت فيه، من دون مسؤولية”، تعليقاً على الإساءات وغياب المعلومة التاريخية المُوثّقة، في دراما “البيئة الشامية”، وقلنا أيضاً “أن أصحابها وعرابهم الراحل بسام الملا لم يَدّعوا أنهم يُوثِّقون أو يُؤرخِون، لكنّ الفرجة كانت تُعادل ذلك لدى الملايين”، في المحصلة، قدّم كتّابٌ ومخرجون، وما زالوا، أعمالاً قائمة على الزعامات والخيانة غير المُسوغة والصراعات الجوفاء، بحجة أنها “حكاية” مأخوذة من مرحلةٍ تاريخية، عاشتها دمشق، ولأنّ بديلاً درامياً أكثر توازناً ووعياً، لم يظهر، مع الخيبة الأخيرة في “الكندوش 1+ 2” وغيره في موسم العرض هذا، لا يبدو أنّ تغيراً ما قادم، بل العكس، الكلاسيكيات المعروفة، تطغى تباعاً، على المادة التاريخية الأصلية، حتى أصبح لدينا تاريخٌ مُشوّه صنعه دراميون، من آخرين سبقوهم، بلا مرجعٍ أو بحث.
تحت مُسمى “الحكاية” أيضاً، جاءت عدة أعمالٍ مُعاصرة، تدور أحداثها، كما يظهر، في يومياتنا المُنهكَة، لكنها، مع ذلك، تطرح جزءاً من قضايانا ومشكلاتنا، وِفق ما يخدم غاياتها في التشويق وإثارة الانتباه، حتى تُوازي بشكلٍ ما، الدراما البوليسية وأفلام الأكشن، وتغيب عنها بالمقابل، آليات التحليل والتركيب والقراءة النافِذة لما نحن فيه، باتجاه حكايتها الخاصة، والتي ستنتهي بانتهاء العمل، من دون أن يكون لها أثرٌ أو امتدادٌ فعلياً، وما يجب قوله هنا أنّ ما سبق، لا ينتقص من شأن أيّ عملٍ تلفزيوني، بل، يُؤكد قدرة أصحابه تقديم حبكة مُحكمة، تشد الجمهور، وتدفعه ليُبدي رأيه، ويتحدث صراحةً، عن الأخطاء التي لاحظها، وانفعالات الشخصيات كما توقعها، ما يُريده ويُعجبه، أي إنّ الترفيه والإمتاع والجذب، نتائج مُحققة، فقط.
هل نُحمّل الدراما التلفزيونية ما هو أكبر من إمكانياتها ومسؤولياتها أصلاً، على حساب مؤسسات وجهات أخرى؟
ربما، نتناسى تلك المؤسسات والجهات، ونُبالغ فيما نقول ونكتب ونتوقع في الدراما، لكن الدور الذي تلعبه، في صناعة الرأي العام وتوجيهه، لا يحتاج شروحاتٍ وتوضيحات، يُمكن لها كما فعلت مرات، أن تبني وتوجّه الأفكار والأحكام تجاه الأشخاص والمواضيع والمعتقدات، لا سيما ما تتباين حوله وجهات النظر، وما اختلّ خلال الأعوام الأخيرة أو أصبح أكثر ثباتاً، ومن ذلك، العنف المُتزايد، وحالات الانتحار بين الشباب، وارتفاع نسبة الجرائم، تحديداً المُرتكبة داخل العائلة الواحدة، إلى جانب ما يشغل الناس عامةً كالسفر والغلاء والمواصلات، بالتأكيد ليس مطلوباً من الدراما أن تحلّ لنا شيئاً من هذا، لكن يُفترض أن ترقى للمأمول منها، في الطرح والمعالجة، أو على الأقل ألا تُصبح مصدر إساءة.
تشرين